نحو تعزيز اقتصادات الدول الأعضاء في منتدى حوار التعاون الآسيوي وزيادة التعاون التجاري بينها. نحو تعزيز اقتصادات الدول الأعضاء
فـــــي
منتدى حوار التعاون الآسيوي وزيادة التعاون التجاري بينها
استجابة لمبادرة حضرة صاحب السمو أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وتلبية لدعوته السامية، استضافت دولة الكويت خلال الفترة 13 – 17 أكتوبر 2012، أول قمة آسيوية في التاريخ، في إطار مؤتمر حوار التعاون الآسيوي.
وتمهيداً لهذه القمة، عقدت في دولة الكويت، خلال الفترة 27 – 30 مايو 2012 ورشة عمل منتدى حوار التعاون الآسيوي العاشر، التي قُدمت خلال جلساتها أربع أوراق عمل، قدمت غرفة تجارة وصناعة الكويت أولاها، وكانت تحت عنوان "نحو تعزيز اقتصاديات الدول الأعضاء في منتدى حوار التعاون الآسيوي وزيادة التبادل التجاري بينها".
وفيما يلي نص هذه الورقة:
"بداية، يسعدني أن انقل تحيات غرفة تجارة وصناعة الكويت إلى كافة الجهات الموقرة المنظمة لهذه الورشة، وتمنياتنا - لكل المشاركين فيها - بحوار ينقل الرؤى والأفكار المطروحة في اللقاءات السابقة إلى برامج عمل مشتركة، لما من شأنه الدفع بعلاقات التعاون الآسيوي الاقتصادي والفني إلى مستويات متقدمة، تسرّع التنمية وتنشر التقدم لشعوب آسيا ودولها من جهة، وتزيد من مساهمتها في التقدم العالمي والتعاون الدولي، لما فيه خدمة الإنسانية وتعزيز مبادئ العدل والسلام من جهة ثانية.
هدف ورقة العمل هذه، هو تحفيز الحوار حول تعزيز اقتصادات الدول الأعضاء في منتدى حوار التعاون الآسيوي. ومثل هذا الموضوع يكتسب أهمية خاصة، وربما أولوية مطلقة، في حوار التعاون الآسيوي، لأنه ينعكس على مستوى حياة المواطن الآسيوي من جهة، ولأنه يرتبط مباشرة أيضاً بالتحديات الاقتصادية العالمية الناجمة عن أزمة الديون السيادية الأوروبية، وأزمة القروض الأمريكية.
وإذا كانت الورقة قد اكتفت بإلقاء الضوء على بعض آفاق وتحديات التعاون الاقتصادي الآسيوي، وجاءت مختصرة موجزة، فذلك لأن دورها لا يزيد عن دور المقبلات في دعوة غذاء آسيوية دسمة. أما الطبق الرئيسي فيتمثل بمناقشاتكم وحواركم ووجهات نظركم.
وعلى هذا الأساس، استميحكم عذراً، في عرض عدد من القضايا ذات الصلة بهذا الموضوع.
أولاً- تشير نتائج الأداء الاقتصادي العالمي، بما تم تسجيله خلال الحقبة الماضية من معدلات النمو المتفاوتة لمختلف الدول، إلى ازدياد الأهمية النسبية للاقتصاديات الآسيوية من حيث درجة إسهامها في توليد الإنتاج العالمي. فقد أدى هذا الاتجاه المتمثل في استمرار نموها بمعدلات أسرع من المعدلات المقابلة في الاقتصاديات المتقدمة إلى زيادة مساهمتها في إجمالي الإنتاج العالمي.
ويستخلص من أحدث الإحصاءات المتاحة لدى صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، أن مساهمة الاقتصاديات الآسيوية في الناتج الإجمالي العالمي من المتوقع أن تنمو من نسبة 25% عام 2010 إلى 35% بحلول عام 2020. أما حصتها من الصادرات والواردات العالمية فبلغت حوالي 31% عام 2011، بعد أن كانت 25% عام 2007. ومن المتوقع أن تصل إلى 42% بحلول عام 2016. وهذا يعني أن آسيا هي مستقبل الاقتصاد العالمي.
ثانياً- إن التبادل التجاري بين الدول العربية والآسيوية قد ازدادت نسبته من 33% من إجمالي قيمة التجارة العربية الخارجية عام 2008 إلى حوالي 40% عام 2011. وهذا يعني أن الدول الآسيوية تحتل المرتبة الأولى في قائمة الشركاء التجاريين الرئيسيين للدول العربية. ومع ذلك، فإن هذا النمو في قيمة التبادل التجاري، لا يعكس بالضرورة حجم هذا التبادل وتنوعه، بل يعزى معظمه إلى زيادة حجم وأسعار الصادرات العربية النفطية إلى الدول الآسيوية.
ثالثاً- سيبقى النفط - وإلى فترة قادمة غير قصيرة - هو المؤثر الأهم في نمو التبادل التجاري العربي الآسيوي من طرف، وفي حركة الاستثمارات العربية - الآسيوية بالاتجاهين من طرف آخر.
وأرجو ألا أتجاوز مفهوم الجرأة والتجديد حين أطرح هنا وضع خطة طويلة المدى، تدريجية التطبيق بين الدول العربية المصدرة للنفط والدول الآسيوية ذات الحاجة التنموية للطاقة، تضمن للمجموعة الأولى إمداداً كافياً من المواد الغذائية الرئيسية، وتضمن للمجموعة الثانية إمداداً منتظماً من النفط والمشتقات النفطية.
رابعاً- في الوقت ذاته ستؤدي حركة التصنيع الآسيوي بكل شموليتها وقوتها إلى تحويل شروط التبادل التجاري العربي الآسيوي وبصورة جذرية لمصلحة السلع الأولية من جهة (النفط والمواد الخام)، وضد الصناعات التحويلية العربية كثيفة العمالة من جهة أخرى.
وبتعبير آخر، إن شروط التبادل التجاري بين آسيا والدول العربية غير النفطية ستنحاز بشكل خطر لمصلحة الشركاء الآسيويين. وبما أن هذه الدول العربية بالذات هي الدول الأكثر حاجة لزيادة حجم الاستثمارات المحلية وخلق فرص العمل الكافية، فإن الاستثمارات العربية الخليجية يجب أن تتعاون مع الاستثمارات الآسيوية في التوجه نحو البلاد العربية غير النفطية لتحسين شروط تعاملها مع آسيا، ولتعزيز أمنها الاجتماعي. واسمحوا لي هنا أن أذكّر بما جرى التعارف على تسميته "بالربيع العربي"، للتأكيد على أهمية زيادة حجم الاستثمارات الآسيوية في البلاد العربية غير النفطية، والتي يشكل استقرارها السياسي وأمنها الاجتماعي ضمانتين لسلامة التدفقات النفطية إلى آسيا.
خامساً- القطاع الخاص العربي والصيني على السواء لازال غائباً بشكل شبه كامل عن حركة الاستثمارات العربية ـ الآسيوية وبالاتجاهين، وهذه حقيقة بالغة الدلالة والأهمية، وتفرض علينا أن نفكر معاً بإيجاد أداة التعاون والتنسيق لتفعيل دور القطاع الخاص العربي والآسيوي في هذا الصدد. علماً بأن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تشكل ضمانة لنجاح هذه الاستثمارات من حيث الجدوى والربحية، ومن حيث المردود الاجتماعي والسياسي أيضاً. خاصة وأن ثمة علاقة إيجابية قوية بين قيام المشاريع المشتركة وحجم التبادل التجاري بين الدول، أي بين نمو الاستثمارات ونمو التبادل التجاري.
سادساً- في الوقت الذي تعاني اقتصاديات الدول المتقدمة من أزمات متلاحقة أدت إلى حالة ركود مزدوج، نلاحظ أن الدول العربية، وبالأخص الخليجية تستثمر حوالي 75% من مدخراتها في تلك الدول، بينما لم تتعد الاستثمارات العربية، في دول آسيا نسبة 11%. وبحسب أحد المحللين، فإن زيادة حصة الاستثمارات الخليجية المباشرة في آسيا (باستثناء اليابان) لتصل إلى 21% من عوائد النفط، يمكن أن تحقق لدول مجلس التعاون الخليجي استثمارات جديدة بقيمة 600 مليار دولار خلال العقد القادم.
سابعاً- إن الإبقاء على النظرة والمعالجة الشمولية لمنتدى حوار التعاون الآسيوي أمر حكيم ومطلوب بالتأكيد، غير أن هذه النظرة الشمولية يجب أن لا تنسينا الفوارق والقدرات التنافسية وغيرها. وبالتالي، لابد لمنتدانا من أن يجد الآليات اللازمة لمراعاة هذه الفوارق وما تفرضه فرص وتحديات في إطار الصورة الآسيوية الشاملة. إن وجود منابر عدة داخل المنتدى وفي إطاره سيزيد من واقعيته ويعزز من خطواته.
ثامناً- مع ذلك، يبدو واضحاً، أن المدى الذي بلغه التعاون العربي الآسيوي في المجال الاقتصادي، وخاصة في ظل الأوضاع الراهنة، لا يزال دون مستوى الطموح مقارنة بالإمكانيات والفرص المتاحة، الأمر الذي يتطلب توسيع المجال أمام الاستثمارات المشتركة بما يخدم أولويات التنمية في الدول الأعضاء في المنتدى من خلال البرامج التالية:
* القيام بمشروعات استثمارية مشتركة.
* التركيز على التعاون والتكامل في المجال الزراعي لسد الفجوة الغذائية ولتعزيز الأمن الغذائي على مستوى دول المنطقة.
* العمل على إنشاء بنوك مشتركة، وفتح فروع لبنوك الدول الأعضاء لتمويل النشاطات التجارية.
* التواصل والتنسيق مع التجمعات الرئيسية على مستوى دول المنطقة، مثل "الآسيان" ومجلس التعاون الخليجي لتعزيز التعاون الاقتصادي المشترك بين الدول الأعضاء في المنتدى، ولتحقيق وحدة الموقف في مواجهة المنظمات الاقتصادية العالمية.
* إنشاء آلية للتبادل التجاري بين الدول العربية والآسيوية، وتسوية المنازعات الناشئة عن التجارة الدولية.
* إنشاء آلية لتشجيع وحماية الاستثمارات العربية والآسيوية، وتسوية منازعات الاستثمار بالطرق الودية وذلك على غرار اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين الدول العربية.
وأخيراً،
نؤكد، أن الدول العربية في حاجة لتكثيف الجهود المشجعة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفي مقدمتها الاستثمارات الآسيوية لتحقيق الكثير من التطلعات بهدف الاستفادة مما تمتلكه شركات دول آسيا الصاعدة من تكنولوجيا ومعرفة فنية وإدارية متميزة تسهم في تنفيذ المشروعات، بالإضافة إلى توفير مزيد من فرص العمل والتدريب للعمالة الوطنية العربية، وإكسابها المهارات التكنولوجية الحديثة.
ولكن، هنالك الكثير من المعوقات التي تواجه جذب الاستثمارات وتبادلها بين الدول الأعضاء في المنتدى، وهي معوقات لايسعفني الوقت المتاح لأخوض في تفاصيلها، كما أني لا أجد حاجة لذلك بعد أن استوفت حقها من النقاش والحوار خلال اللقاءات السابقة، ويدركها رجال الأعمال قبل الساسة، وقد سبق وأن أشارت إليها أدبيات وتوصيات عدد من ورش العمل السابقة.
وفي تصورنا؛ إن الحل العملي لمواجهة تلك التحديات يتمثل في الإرادة الصادقة للجهات ذات العلاقة لدى الدول الأعضاء في المنتدى، لتسهم بدورها في بلورة الرؤى والأفكار المطروحة إلى خطة استراتيجية تعزز من اقتصاديات الدول الأعضاء نحو تعاون مشترك في مختلف القطاعات ذات القيمة المضافة لكل الأطراف. |